prince of darkness Admin
عدد المساهمات : 564 نقاط : 3825 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 12/07/2010 العمر : 29
| موضوع: وصايا لأهل الجهاد بكل جرأة !*** نعم بكل جرأة ! السبت يوليو 24, 2010 5:50 pm | |
| <tr>بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُلله والصّلاة والسّلام على رَسول الله وعلى آله وصَحبه أجمَعين السّلام عليكُم ورحمَة الله وبرَكاته
الحمد لله الذي جعل الدعاء من أشرف العبادات، وجعل التقرب إلى الله به من أعظم القربات، وأشهد أن لا إله إلا الله المتوحد بالكمال والجمال، له الأسماء الحسنى أمرنا أن ندعوه بها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيهُ وخليلهُ، خيرُ من دعا ربه بالليل والنهار، وأكثرَ دعاءَه واستغفارَه بالأسحار، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فاعلم أيها المسلم...
أن الدعاء نوعان: دعاء مسألة ودعاء عبادة.
فدعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.
ودعاء العبادة: هو دعاء الخوف والرجاء، قال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
ومعلوم أن النوعين من الدعاء متلازمين، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، فهذه الآية دلت على قرب الرب وإجابته لدعوة من دعاه.
فالقرب نوعان:
قرب بعلمه من كل خلقه.
وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والنصر والتأييد والتوفيق.
فما من داع يدعو بحضور قلب وانكسار وتذلل للرب ودعا بدعاء مشروع، ولم يكن عنده مانع من موانع إجابة الدعاء، وخصوصاً إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به الموجب للاستجابة، إلا استجاب الله له.
فيا أهل الجهاد...
اعلموا أن الدعاء من أعظم أسباب النصر، وهو من أقوى الأسلحة للمؤمن ضد عدوه، وهو أعظم عبادة تتقربون بها إلى ربكم.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الدعاء هو العبادة)، ثم قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجة والترمذي، وقال: حسن صحيح].
وروى مالك في الموطأ عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو على الصفا يدعو يقول: (اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وإنك لا تخلف الميعاد, وإني أسالك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم).
فانظر يا أخي - وفقنا الله وإياك - إلى عظيم فضل الله وكرمه ورحمته، كيف يدعو عباده إلى ما هو خير لهم مما يصلح دينهم ودنياهم وآخرتهم، مع غناه عنهم وافتقارهم إليه، فكم دعاهم إلى الجنة وإلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، وكم دعا عباده إلى مغفرة ذنوبهم، كما قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}، ودعا عباده وناداهم بأن يدعوه فيستجيب لهم.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول؛ من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟).
إذا علمت فضل الله عليك، فازدد لله شكراً بكثرة دعائه، لأن دعاء الله من أعظم العبادات وأفضلها، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
أخرج الحاكم وصححه أن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أفضل العبادة الدعاء)، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
وروى أحمد في الزهد عن مطرف قال: (تذكرت ما جماع الخير، فإذا الخير كثير فالصلاة والصيام، وإذا هو في يد الله تعالى، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك).
فتبين أن الدعاء من أجل العبادات وأكرمها على الله.
فيا أهل الجهاد...
عليكم بالإلحاح على الله في الدعاء ورفع أكف الضراعة، فإن الدعاء من أعظم ما يجلبُ به النعماء ويدفع به الضراء، لأن الله وحده مالك الضر والنفع، الكاشف للضراء الجالب للسراء، المتصرف في خلقه كيف يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه وهو على كل شيء قدير، قال الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}، وقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ... الآية}، وهذا من أعظم الأدلة على أن الله وحده هو المستحق للعبادة.
ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) [متفق عليه، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه].
وكان يقول ذلك إذا رفع من الركوع،كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع، قال: (ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وكذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس، حين قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [رواه أحمد والترمذي وصححه].
قال ابن رجب رحمه الله: (واعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذكر قبله وبعده فهو متفرع عليه وراجع إليه، فإن العبد إذا علم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له من خير وشر ونفع وضر وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد البتة؛ علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه وإفراده بالطاعة وحفظ حدوده، فإن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله من يعبد من لا ينفع ولا يضر ولا يغني عن عابده شيئاً ممن يعلم أنه لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع غير الله؛ أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرع والدعاء وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعاً وأن يتقي سخطه ولو كان في سخط الخلق جميعاً).
ثم قال: (وما أحسن قول بعضهم:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب).
فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب تراب، فكيف يقدم على طاعة شيء من التراب على طاعة رب الأرباب؟! أم كيف يرضي التراب بسخط الملك الوهاب؟! إن هذا لشيء عجاب!
فإذا أيقن العبد بأن الأمور كلها بيد الله؛ أوجب عليه سؤاله، قال تعالى: {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}.
وحث على أن يكون الدعاء بإلحاح وتذلل واستكانة وخفية، قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وقال تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
وأمرنا أن نخلص له وحده الدعاء بخلاف ما عليه المشركون، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، أي لا تريدوا ولا تقصدوا في دعائكم إلا الله، ولا تأخذكم في الله لومة لائم لأن الكفار يكرهون إخلاصكم لله غاية الكراهة، كما قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.
ولا يثنينّكم ذلك عن دينكم، قال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}، أي أمركم بالاستقامة في عبادته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم المؤيد من قبل ربه، وأعظم ما يكون ذلك هو بإخلاص الدعاء والطاعة لله وحده، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
واعلم أخي المسلم أن هناك أمورًا منهيًّا عنها في الدعاء، منها:
1) الاستعجال أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم:
لما أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: (يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء).
2) الدعاء على الأهل والمال:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) [رواه مسلم وأبو داود، وبوَّب عليه؛ باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله].
3) الدعاء بتمني الموت لضرٍّ نزل به:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحد الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).
قال أنس رضي الله عنه: (لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تتمنوا الموت، لتمنيته) [رواه البخاري ومسلم].
وفيهما عن قيس بن أبي حازم قال: (دخلنا على خباب وقد اكتوى سبع كيات في بطنه، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت به).
4) ألا يعلق دعاءه بالمشيئة:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له) [متفق عليه].
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء، لا مكره له).
فدلت هذه النصوص على وجوب العزم في المسألة، وتحريم تعليق ذلك بالمشيئة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه.
قال سفيان ابن عيينة رحمه الله: (لا يمنعن أحداً الدعاء ما يعلم في نفسه - أي من التقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس، حين قال: {رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}).
وكذلك هناك أمور تكره في الدعاء، منها: السجع وهو موالاة الكلام على رويٍّ واحد.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب؛ ما يكره في السجع في الدعاء).
ثم ذكر قول ابن عباس لعكرمة: (فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلاّ ذلك الاجتناب).
واعلم أن المكروه في السجع هو المتكلف، لأنه لا يلائم حضور القلب والتذلل والضراعة.
ويكره الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين، قد خَفَتَ فصار مثل الفَرْخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟)، قال: نعم، كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، قال: فدعا الله له فشفاه.
ويكره الاعتداء في الدعاء ورفع الصوت، لقول الله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
روى أحمد وأبو داود بإسناد جيد؛ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سمع ابنه وهو يقول: (اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا... وكذا... وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا... وكذا...)، فقال: (يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء، فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر)، زاد أحمد: قال له سعد: (قل: اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل).
وكذا جاء عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
وأما رفع الصوت؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا، فإنما تدعون سميعا بصيرا) [متفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه].
قال الحسن البصري رحمه الله: (إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر؛ فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}، وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً رضي فعله، فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً}).
واعلم أيها المسلم - وخاصة أنت أيها المجاهد -؛
أنك لن تخسر في دعائك أبداً، وهذا من فضل الله ورحمته وكرمه وجوده ولطفه بعباده.
أخرج أحمد بسند جيد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها).
وجاء عند الترمذي وصححه من حديث عبادة، وزاد: فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: (الله أكثر).
قال ابن حجر: (فائدة الدعاء هو تحصيل الثواب بامتثال الأمر، والاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء، لأن الله خالق الأسباب ومسبباتها).
بل أعظم من ذلك؛ معية الله لعبده الداعي.
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول؛ أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني) [هذا لفظ مسلم].
واعلم أخي المسلم...
بأن هناك أوقاتاً زمانيةً ومكانيةً يتحرى فيها إجابة الدعاء:
من ذلك؛ السجود، وثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وبعد الوضوء، وبعد التشهد، وأدبار الصلوات، وبعد فعل الطاعات، ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب، وساعة يوم الجمعة، ومجالس العلم، ويوم عرفة لأهل عرفة، ودعوة المسافر، ودعوة الصائم، ودعوة المظلوم، وعند ملاقاة العدو، وأن هذه قد صحت الآثار فيها.
وهناك آداب للدعاء، ومنها:
أن يكون على طهارة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب، وافتتاح الدعاء بالحمد والثناء، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال بأسماء الله الحسنى، وأن يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة، وليعزم في المسألة بقلب حاضر وبتملق، وليقدم بين يدي دعائه صدقة، فمثل هذا - بإذن الله - لا يرد دعائه، إذا خلا من الموانع - كأكل الحرام أو شربه أو لبسه -
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل: (يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء؛ يا رب... يا رب... ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!) [رواه مسلم].
ويستحب للداعي أن يختار دعاءً جامعاً، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) [رواه أبو داود بسند ثابت].
وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في حديث التشهد المشهور، قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يختار من الدعاء أعجبه إليه فيدعوه).
وهناك أدعية جامعة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء بها، ويحث عليها.
كما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
وأخرج مسلم من حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني).
وروى أحمد وأبو داوود وابن ماجة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفتى يقال له سُلَيْم: (يا سُلَيْم ماذا معك من القرآن؟)، قال: إني أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل تصير دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار)، ثم قال سليم: سترون غدا إذا التقى القوم إن شاء الله، قال: والناس يتجهزون إلى أحد، فخرج وكان من الشهداء رحمة الله ورضوانه عليه [هذا لفظ أحمد وسنده جيد].
وعن عبد الله بن حارث وأبي عثمان النهدي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: لا أحدثكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا به ويأمرنا أن نقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والجبن، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع، ومن قلب لا يخشع، ومن علم لا ينفع، ودعاء لا يستجاب) [رواه مسلم والنسائي، وهذا لفظه].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة بإسناد ثابت].
فيا أهل الجهاد...
اعلموا أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، فاسألوه أن يثبت قلوبكم على هذا المبدأ العظيم الذي خذلكم فيه القاصي والداني والعالم والجاهل، إلا من منَّ الله عليه بالبصيرة في ذلك.
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)، ثم قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).
ثم نوصي كل من ظلم في سجن أبيه أو أخيه أو ابنه أو ظلم في دينه أو دنياه أن يدعو على هؤلاء الطواغيت - هم وأعوانهم من "المباحث" والجنود وغيرهم - بأن يذيقهم الله عقوبة يكون فيها شفاء لصدور أهل الإيمان، فإن دعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب.
وكذا لا تنسوا أن تدعوا لإخوانكم المجاهدين؛ بأن ينصرهم الله ويؤيدهم ويخذل عدوهم وأن يظهر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون.
واعلموا يا أهل الجهاد...
بأن المسؤولية عليكم أعظم، فأروا الله من أنفسكم خيرا، وأكثروا من الدعاء بالثبات والنصر على عدوكم، قال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}، فاستنصروا بربكم؛ ينصركم، واستعينوا به؛ يعنكم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: (رب أعني ولا تعن علي, وانصرني ولا تنصر علي, وامكر لي ولا تمكر علي, واهدني ويسر الهدى لي, وانصرني على من بغى علي, ربي اجعلني لك شكّاراً, لك ذكّاراً, لك رهاباً, لك مطواعاً, إليك مخبتاً, لك أواها منيباً, رب تقبل توبتي, واغسل حوبتي, وأجب دعوتي, وثبت حجتي, واهد قلبي, وسدد لساني, واسلل سخيمة صدري) [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه].
وهذا هو هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم.
جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين، فقال: (اللهم منزل الكتاب, سريع الحساب, اللهم اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم)، وفي لفظ: (اهزمهم وانصرنا عليهم).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر, نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف, وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه, فأتاه أبو بكر, فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه, ثم التزمه من ورائه, وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك, فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [رواه مسلم].
وفي غزوة حنين قال البراء رضي الله عنه: فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزل نصرك) [رواه مسلم].
وكذا لا تنسوا الدعاء عند ملاقاة العدو، فإنها من أعظم أسباب النصر والثبات، قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}.
تنبيه..! واعلم أن من أعظم الشرك على وجه الأرض هو صرف هذه العبادة العظيمة الجليلة لغير الله، وهو أكبر شركِ المشركين الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين يتقربون إليهم ليشفعوا لهم عند الله، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحل دمائهم وأموالهم وسبى ذراريهم ونساءهم، وأكثر شرك العالم اليوم هو دعاؤهم غير الله في تفريج الكربات, وإغاثة اللهفات.
بل بلغ الأمر؛ إلى أن سألوهم مغفرة الذنوب, وترجيح الموازين, ودخول الجنات, والنجاة من النار, والتثبيت عند الموت والسؤال, وغير ذلك من أنواع المطالب التي لا تطلب إلا من الله.
وهذا الشرك قد انتشر انتشاراً عظيماً حتى في أعظم المقدسات، فما تطوف حول الكعبة، ولا بين الصفا والمروة, إلا وتسمع من ينادي بأعلى صوته؛ يا محمد! ويا علي! ويا فاطمة! ويا حسين! ويا بدوي! وغير هؤلاء ممن يدعى من دون الله، ولا تذهب لزيارة المسجد النبوي إلا وترى العجب العجاب من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره، وإذا ذهبت إلى البقيع لزيارة المقبرة والسلام على أهلها رأيت الجموع الغفيرة والبكاء والنحيب ودعاء الموتى، وربما تسمع ذلك بمكبرات الصوت.
وإذا أردت أن تنكر هذا الشرك أو تفكر بالإنكار؛ لقام عليك حزب الشيطان وجند الطاغوت من "الطوارئ" و "المباحث" وغيرهم بالضرب والذهاب بك إلى السجن، وبأمر من؟ بأمر من هم "حماة التوحيد" - زعموا! -
فيا ترى أيهم أعظم؛ كفر هؤلاء المشركين أم حماتهم؟
وتعجب كل العجب أيضا من عدم إنكار خطباء الحرمين وعلمائها وقضاتها لهذا الشرك الذي رأوه وسمعوا عنه، فاتقوا الله وقوموا بإنكار هذا الشرك، ولا يكن رضى الحكام المرتدين أعظم عندكم من سخط الله، وأن رضاهم أحب إليكم من رضا ربكم، ولا يكن حبكم للدينار والدرهم أحب إليكم من جنة عرضها السماوات والأرض.
وتعجب وتقول؛ أهذه الديار التي طهرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من هذا الشرك؟! وإذا بهذا الشرك يعلن به عند قبورهم.
فيا عباد الله ...
توبوا إلى ربكم وعودوا إلى رشدكم، وأنكروا هذا المنكر العظيم، واحذروا مما أنتم فيه من التلبيس والتدليس، والحرب على أهل التوحيد والسُنة - وخاصة المجاهدين ومن ينُكر هذه المنكرات - قال تعالى: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً}، واعلموا أن سكوتكم فتنة عظيمة، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}، فالشرك وعدم التبرؤ منه ومن أهله وعدم إنكاره هو الفتنة.
هذا وأسأل الله أن يطهر بلاد الجزيرة المسلميين من كل مشرك ومرتد، ومن كل كافر وملحد، وأسأله جل وعلا أن ينصر كل من أراد تطهير بلاد المسلمين وأخذ بوصية نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته التي قال فيها: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
وقال: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان).
وأسأله أن ينصر المجاهدين في جزيرة العرب وفي أفغانستان وفي العراق وفي الجزائر وفي فلسطين وفي الفلبين وفي الشيشان، وأن ينصر كل من رفع راية التوحيد وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وأسأله أن يرزقنا شهادة تحت هذه الراية.
وصلى الله وسلم وبارك على من كانت منيته شهادة في سبيله؛ نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن سار على سبيله وطريقته إلى يوم الدين.
| </tr>
| |
|